» الجزء الأول من سلسلة  » رحلة الى الجسيمات الأولية

 السؤال  الذي يطرح نفسه والذي نحاول الإجابة عنه كيف تكونت هذه المادة أو بعبارة من أين أتت هذه المادة …؟؟

يحاول علم فيزياء الجسميات الإجابة عن كل هذه التساؤلات والإشكاليات المطروحة  ….. وهو علم قائم بذاته يهتم بدراسة المكونات الأولية للمادة والإشعاع إضافة الى التأثيرات المتبادلة فيما بينها… ويطلق عليه أيضا فيزياء الطاقة العالية لان العديد من هذه الجسيمات الاولية غير مرئية تحت الشروط الطبيعية بل يمكن مشاهدة أثرها عن طريق تصادم هذه الجسيمات في اماكن خاصة تدعى المسرعات العملاقة ، حيث يتم تسريع هذه الجسيمات ودفعها للإصطدام ببعضها البعض  لتنتج طاقة شديدة مماثة لما كان عليه الكون بعد إنقضاء جزء يسير من الثانية على الإنفجار العظيم لمعرفة  أصول ومميزات هذه الجسيمات ..

كان إكتشاف طبيعة الذرة منذ مائة عام مرحلة مهمة في مسيرة هذا العلم إلا انه يعتبر خطوة أولية نحو علم  واسع وشديد التعقيد ..أولها الكشف عن الكيفية التي ظهرت بها الذرات  الى الوجود …ويعتبر هذا تحديا كبيرا ومختلفا تماما … حيث يصعب الحصول على شروط الإنفجار العظيم و لا يوجد جهاز  جاهز- أو  معروض للبيع –  يوفر تلك الشروط … ولهذا حاول العلماء في السنوات الإخيرة توفير تلك الشروط عن طريق تصينع مسرعات عملاقة وتطويرها من وقت الى حين  أشهرها مصادم سيرن 

 المــــادة 

 إعتقد الإغريق القدماء أن كل شيء يتكون من عناصر أساسية وهي التراب ، الهواء ، النار والماء كانت فكرتهم في جوهرها صحيحة الأ ان في التفاصيل لم تكن كذلك  فهذه العناصر التي إعتبروها أساسية  تتكون بدورها مما نعرفه اليوم باسم العتاصر الكيميائية . فالماء يتألف من عنصرين كيميائيين هما الهيدروجين والأوكسجين ن الهواء يتألف في معظمه من الأزوت والأكسجين مع عناصر الأخرة كالهيدروجين والكربون والأرغون …كما يحتوي التراب أو القشرة الأرضية على معظم العتاصر الكيميائية التسعين الموجودة في كوننا بصورة طبيعية أهمها الحديد، السيلكون ، الفسفور والكثير من العناصر الأخرى التي لم يسبق لك على الأرجح ان سمعت بها كالروثينيوم ، الروديوم …

إن هذه العناصر الكيميائية تختلف من حيث وفرتها ودورها ، فأول العناصر التي تتبادر الى ذهنك هي العتاصر الموجودة  بوفرة في الطبيعة أو التي تقوم باأدوار مهمة …أما العناصر الأخرى التي لم يسبق لك ان سمعت بها  فهي عناصر نادرة .واول العناصر الذي يتبادر الى ذهنك والذي يقوم بأدوار مهمة هو عنصر الأكسيجين بدون شك … حيث لا نستطيع ان نعيش بدون هذه العنصر الحيوي ومع كل شهيق يدخل جسدك ملاييين مليارات المليارات من ذرات الأوكسجين وهو ما يفعله الخمسة مليارات شخص الذين يعيشون على سطح هذه الكوكب الصغير ، إضافة الى عدد هائل من الحيوانات  والكائنات الأخرى …. ومع الزفير  ، تخرج هذه الذرات من جسدك مع ذرات الكربون مكونة جزيئات من ثنائي أكسيد الكربون  ، ذلك الوقود الذي تعيش عليه الأشجار والنباتات ….ناهيك عن العناصر الأساسية الأخرى… كل هذا يقع ويحدث  في نظام معقد ومنظم في نفس الوقت .

منذ مائة عام كان الإعتقاد السائد هو أن الذرات أجسام غير قابة للإختراق  . لكننا اليوم نعرف ان لكل ذرة بنية داخلية معقدة  حيث تتوسطها نواة كثيفة مضغوطة تحمل شحنة  كهربائية موجبة تدور حولها جسيمات خفيفية بالغة الصغر تسمى إلكترونات  . يحمل الإلكترون شحنة سالبة وبفعل هذا التضاد في الشحنتين واحدة سالبة واخرى موجبة يسمح للإكترون البقاء في مداره تحت القوى  الكهربائية .

ولمعرفة مدى صغر حجم الذرة أنظر على سبيل المثال الى النقطة التي تنتهي بها هذه العبارة  . يحتوي الحبر الذي تتكون منه هذه النقطة 100 مليار ذرة كربون ، ولرؤية إحدى هذه الذرات بالعين المجردة ستحتاج الى تكبير النقطة حتى يصل قطرها الى 100 متر . هذا حجم كبير لكن من الممكن تصوره ، لكن لكي ترى نواة الذرة ، ستحتاج الى تكبير النقطة حتى يصل قطرها الى 10 ألاف كيلومتر أي يصبح قطرها مماثلا لقطر الأرض .

معظم حجم الذرة عبارة عن فراغ   (  %  99,9 من حجم ذرة فراغ ) ، وهذا ما تؤكده كتب عدة  وهو امر صحيح من منظر الجسيمات التي تؤلف الذرات ، بيد ان هذا نصف قصة وحسب ، فهذة المساحة الموجودة بين النواة المركزية المضغوطة والألكترونات البعيدة التي تدور حولها  مليء بمجالات كهربائية ومغنطيسية قوية لدرجة تجعلها قادرة على منعك تماما من محاولة دخول فراغ الذرة ، وهذه المجالات هي التي تعطي للمادة صلابتها .

رغم شدة هذه القوى الكهربائية والمغناطيسية الأ انها تضل صغيرة وتافهة للغاية مقارنة بالقوى العاملة داخل نواة الذرة . فإذا تمكنا من خلخلة تأثيرات هذه القوى القوية جدا فسيكون بمقدورنا إطلاق العنان للقوة النووية ، وإذا تمكنا من خلخلة القوتين الكهربائية والمغنطيسية فسنحصل على تأثيرات الحياة الكيميائية والبيوكيميائية المحيطة بنا في كل مكان . هذه التاثيرات  اليومية تحدث بسبب الإلكترونات الموجودة في المدارات الخارجية للذرات بعيدا عن النواة .وقد تتشارك الألكترونات الخارجية  للذرات المتقاربة روابط مشكلة بذلك جزئيات . إن الأعمال المذهلة لهذه الألكترونات هي عصب علم الكيمياء ، علوم الأحياء والحياة إجمالا … في هذه السلسة التي نحن  بصدد كتابتها تحت عنوان « رحلة الى الجسيمات الأولية  » لا تدور حول هذه الموضوعات التي تتعامل مع السلوك الجمعي  للذرات المتعددة ، بل على  العكس نحن نريد أن نبحر داخل النواة ونفهم ما يوجد بها  .

وسنتحدث في الجزء  الثاني من هذه السلسلة إن شاء الله حول مكونات الذرة والقوى الموجودة داخلها.  

 إعداد : ذ. رشيد جنكل