ما هو علم الفيزياء ؟
لا نريد الجواب عن هذا السؤال مباشرة لكن سنحاول ان نناقشه من زوايا عدة . فالإنسان في هذا الكون ينظر الى العالم الذي يعيشه فيه فقط من الجانب الذي يعنيه . فمثلا إذا طرحنا هذا السؤال كيف تنظر الى ظاهرة غروب الشمس ؟
فسيحاول كل واحد منا ان يصف لك هذه الظاهرة بأساليبه الخاصة . فالفنان مثلا سيحاول عن يعبر عن هذه الظاهرة بالطريقة الفنية عن طريق الرسم او النحت أو ما شابه ذلك … وسيركز كثيرا على الجانب الجمالي وسيحاول ان يوصل أفكاره و مضمون تلك الظاهرة من خلال استعماله مجموعة من الألوان . أما الشاعر فسيحاول ان يجد الكلمات المناسبة ليعبر عن ذلك الجمال في شعره من خلال استعمال أساليب لغوية متقنة ومنسقة ودقيقة … أما الفيزيائي فسينظر الى هذه الظاهرة من زاوية أخرى تتركز على مدى بعد الشمس عن الأرض ، حركة الشمس ، شكل الشمس ،كيف تولد الضوء والحرارة وغير ذك من ألأسئلة… وبمجرد طرح سؤال أولي وبديهي سيكون من الصعب أن يتوقف الفيزيائي من طرح سؤال ثاني يشكك في جواب السؤال الأول وهكذا. فالفيزيائيون بباسطة هم هؤلاء الناس الذين تثيرهم الأسئلة عن كيفية عمل وأداء العالم الطبيعي من حولنا وبالتالي يحاولون البحث عن إجابات لها .
إن علم الفيزياء هو القاعدة الاساسية لمختلف العلوم فهو يقدم التفاصيل العميقة لفهم كل شيء بدءاً بالجسيمات الاولية إلى النواة والذرة والجزيئات والخلايا الحية والمواد الصلبة والسائلة والغازات والبلازما (الحالة الرابعة للمادة) والدماغ البشري والأنظمة المعقدة والكمبيوترات السريعة والغلاف الجوي والكواكب والنجوم والمجرات والكون نفسه. أي ان الفيزيائيين يختصون بمعرفة اصغر عنصر لهذا الكون وهو الجسيمات الاولية إلى الكون الفسيح مرورا بالتفاصيل التي ذكرناها.
وكخلاصة فالفيزياء هو علم يهتم بدراسة الظواهر الطبيعية عن طريق استعمال أسلوب خاص يتميز بمجموعة من العمليات والمراحل تسمى الطريقة العلمية أو المنهج العلمي الأداتان الأساسيتان فيه هما المنطق والتجريب،فعندما يريد الفيزيائي ان يدرس ظاهرة ما، فإنه يضع أمامه مجموعة من الملاحظات ، يتبعها بمجموعة من الأسئلة ، يقوم بربطها لصياغة إشكالية أو فرضية او نظرية أحيانا. وللجواب عن هذه الإشكاليات او التحقق من الفرضيات او النظريات التي وضعها يبحث عن أدوات وأساليب مناسبة تتجلى في إنجاز مجموعة من التجارب . وفي نهاية المطاف يقوم باستثمار نتائج تجاربه ليلخصها في استنتاج يعبر عنه عادة على شكل معادلات رياضية بسيطة أكانت او معقدة تسمى قوانين .
إن جهودنا لفهم العمليات الطبيعية عن طريق الجمع بين التفكير المنطقي والتجريب المحكم فيما يسمى بالطريقة العلمية تمثل فصلا جديدا في التاريخ الإنساني.
فقبل حوالي عام 1600 م كانت الإجابات المتعلقة بالحقيقة والزيف تتحكم فيها الاعتبارات السياسية والدينية. وقد كان لجهود أولئك العلماء العظام أمثال غاليلي غاليليو وروبرت بويل وإسحاق نيوتن وغيرهم الفضل الكبير في تقديم و نشر هذه الطريقة العلمية الى العالم . هذا بالرغم من المضايقات والأخطار الشخصية التي يتعرضونها لها من قبل السلطات السياسية والدينية في ذلك الوقت .
هناك افتراضان أساسيان لدى الفيزيائيين أديا الى إيمانهم بالطريقة العلمية كأداة لفهم الطبيعة . فالافتراض الأول يتجلى في كون النتائج قابلة للإستعادة , وقابلية الإستعادة تعني أننا نحصل على نفس نتائج التجربة العلمية إذا حافظنا على نفس ظروف التجربة بغض النظر عن الذي يقوم بإنجازها . والافتراض الثاني يتجلى في كون الطبيعة خاضعة لمبدأ السببية أي أن العلاقات البينية بين السبب والنتيجة هي التي تحدد النتيجة مسبقا فنتائج التجربة ترتبط بظروف التجربة أو بالأحرى ما يسمى بالشروط البدئية . وبدون هاذين المبدأين ستكون الملاحظة العلمية بدون جدوى، حيث لا يمكن التنبؤ بنتائج التجربة إذا كانت غير مرتبطة بالسبب وحينئد سنعيش في كون مشوش غير منتظم يسوده العشوائية بل أنه غير قابل للفهم من الناحية العلمية وهذا ما يتعارض مع الواقع.
تعتبر الفيزياء أكثر العلوم أساسية ، باعتباره علم يهتم بوصف جميع الظواهر الطبيعة بدلالة عدد قليل من العلاقات الأساسية تسمى قوانين ] تتسم هذه الصيغ بدرجة عالية من العمومية والبساطة في نفس الوقت [. فكما قلنا سابقا ففي الطريقة العلمية تبدأ القوانين كأفكار او نظريات ، يجب اختبار صحتها بالتجربة العلمية . فإذا أيدت ودعمت التجربة التنبؤات الكمية للنظرية فإن النظرية تقوى وتدعم . أما النظريات التي تتناقض تنبؤاتها مع التجربة تستبعد وتنبذ تماما ، وفي نهاية المطاف تكتسب النظريات المقبولة صفة القانون الفيزيائي . وهكذا ظهر وبني الفيزياء وبهذه الطريقة العلمية قدموا لنا الفيزيائيون الأولون القاعدة الأساسية التي يبني عليها الفيزياء واستكملوا عليها الفيزيائيون الجدد وطوروها ووصل الفيزياء ما وصل إليه الآن من تطور وتقدم في جميع الفروع .
وما مختلف الاختراعات الحديثة من الليزر الى رقائق الراديو المتكاملة ، ومن المولد الكهربائي الى المولد النفاث ، ومن اجهزة الراديو والتلفزيون الى الادوية والأجهزة المستخدمة لإنقاذ الحياة وغيرها ، إلا إنجازات قد تحققت بفضل الفضول العلمي الذي نعيش في ظلاله كل لحظة من لحظات حياتنا .
تميز علم الفيزياء عن باقي العلوم الأخرى بصعوبته لكونه يدرس كل الظواهر بما فيها الملموسة وغير الملموسة، كل ما هو مادي وغير مادي ، كل ما هو مرئي وغير مرئي …. أي ان للفيزياء صبغة خاصة تحتاج الى معارف ومهارات خاصة يجب ان تتوفر بالدرجة الأولى في العالم الفيزيائي بشكل خاص ، وبالدرحة الثانية في المدرس أو الطالب أو التلميذ بشكل عام . ولكن كنوع من التحدي الذي نواجهه في حياتنا فإن النجاح في دراسة الفيزياء له نكهة خاصة يستمتع بها المتعلم . فمن حصل على شهادة علمية في احد تخصصات الفيزياء فإنه يكون مرشح للنجاح في العديد من المجالات التي قد يوضع بها . فعلم الفيزياء يكسب دارسه العديد من المهارات والكفايات نذكر منها على سبيل المثال لا الحصر : القدرة على الصياغة الرياضية لأية مشكلة فيزيائية أو ظاهرة طبيعية لإيجاد الحل المنطقي لها، تصور خطة عمل وإستراتجية مناسبة للحل التجريبي لهذه المشكلة ، اكتساب المهارات الكافية لتصميم التجارب وإجراءها ، العمق في ايجاد تفسير لنتائج التجارب وتحليلها ، اكتساب الخبرات في مجال البحث العلمي ….
يحتوي الفيزياء الان على فروع كثيرة أهمها :الفيزياء الكلاسيكية : كالميكانيك النيوتونية ، التروموديناميك ، الكهرباء والمغناطيسية ، الموجات … والفيزياء الحديثة : كميكانيك الكم ، النظرية النسبية ،الفيزياء الذرية الفيزياء النووية …..
كل هذه الإعتبارات والإمتيازات التي يتميز بها علم الفيزياء تجعلنا نطرح الأسئلة التالية على مدرسي ومحبي الفيزياء :
من يدرس الفيزياء ؟
هل ترغب في ايجاد تفسير لما يدور في هذا الكون من ظواهر طبيعية عديدة مثل الجاذبية والضوء والنجوم والبراكين والزلازل والأعاصير… ؟ هل ترغب في معرفة كيف تعمل الاشياء من حولنا مثل الهواتف الذكية و الكمبيوتر والليزر والصواريخ الفضائية…؟ وهل ترغب في الشعور بمتعة الاكتشافات العلمية الحديثة واجراء التجارب العلمية واكتشاف نظريتها ؟ اذا كنت مغرم بهذا فإن الفيزياء هي لك…
ماذا تقدم الفيزياء لدارسيها ؟
معظم العلماء المشهورين مثل اينشتين ونيوتن وماكسويل …. كانوا فيزيائيين. يمكننا ان نقول ان الفيزيائيين هم اكثر العلماء المدربين في عدة مجالات مثل الرياضيات والكمبيوتر بل انهم احيانا يتفوقون على اقارنهم المتخصصين لأنهم يتعاملون مع هذه العلوم على اساس تطبيقي كما ان الفيزيائي يمكن ان يكسر الحواجز بين العلوم التطبيقية الاخرى كالكيمياء والبيولوجي والجيولوجيا والهندسة والطب ولا يجد الفيزيائي صعوبة في فهم اي نوع من العلوم المختلفة ولأهمية هذا العلم ظهرت تخصصات تجمع الفيزياء مع العلوم الاخرى مثل الجيوفيزياء والبيوفيزياء.
بإختصار كلما تظهر تطبيقات علمية جديدة او اجهزة متقدمة فإن علم الفيزياء يكون مطلوبا.
ماذا يمكن ان يعمل متخصص الفيزياء ؟
في اي مكان تتواجد فيه التكنولوجيا يجد الفيزيائي عمل له ويكون مفضل عن غيره لما يمتلكه من معلومات عن المبادئ الاساسية والخبرات الذاتية التي تؤهله للتعامل مع التكنولوجيا وتطورها بشكل اسرع. وفي الدول الصناعية المتقدمة لا يمكن ان يوجد فيزيائي عاطل عن العمل. فيمكن للفيزيائي ان يعمل في المجال الطبي حيث ان كل اجهزة التشخيص في المستشفيات يعتمد تشغيلها على الفيزياء مثل استخدام اشعة اكس والنظائر المشعة والرنين المغناطيسي والامواج فوق الصوتية واشعة الليزر والمنظار وغيرها من الاجهزة المستخدمة والتي هي تطبيقات لاكتشافات وابحاث الفيزيائيين….وأن يعمل في المجال الصناعي فالفيزياء وراء كل التطبيقات الصناعية ….كاجهزة الكمبيوتر بكافة مكوناته من المعالج إلى الذاكرة إلى الشاشة إلى اقراص الليزر …. كما يمكن ان يعمل في مجال الاتصالات والاقمار الصناعية …..و في مراكز الارصاد الجوية ومراكز التنبؤ بالزلازل ومراكز البحوث …..كما ان للفيزيائي دورا اساسياً في مجال التعليم لاعداد اجيال جديدة لاكمال مشوار التقدم العلمي…. وكلما تقدمت الابحاث الفيزيائية كلما انعكس ذلك على تطور حياتنا اليومية…. ويمكن أن نلخص كل ما سبق في قول ان علم الفيزياء هي كل شيء بدونه يستحيل ان نفهم ما يدور حولنا .
وللمقال بقية … سنتحدث فيه عن النظريات الأساسية في الفيزياء و سنتطرق فيه الى مقالات شخصية: مقالة واحدة أو مقالتين : بقلم بعض العلماء يوضحون فيها كيف أصبحوا فيزيائيين .
إعداد : ذ. رشيد جنكـــل