للتعرف على كوننا هذا الذي نعيش فيه على جميع المستويات بدءا بالأجسام الكبيرة جدا كالمجرات والكواكب والنجوم ….التي تفصلنا عنها مسافات شاسعة الى الأجسام الصغيرة جدا كالذرات والبروتونات والنوترونات والألكترونات التي يستحيل تخليها سنحتاج الى مضاعفة حواسنا ألاف المرات أو ربما ملايين المرات…….. من اجل هذا إبتكر الإنسان مجموعة من التليسكوبات والميكرسكوبات . تمكننا الأولى من النظر بعيدا والثانية من الكشف عما تكون عليه الأشياء على مسافات صغيرة . بيد ان النظر داخل النواة يتطلب نوعا خاصا من الميكروسكوبات يعرف بمعجلات الجسيمات التي يتم داخلها تسريع الجسيمات ذات الشحنة كالإلكترونات والبروتونات، بواسطة مجلاات كهربائية ،الى سرعات تقارب سرعة الضوء ثم جعلها تصدم بأهداف محددة من المادة أو تصطدم ببعضها البعض . ومن خلال نتائج التصادم يتم إستخلاص البنية العميقة للمادة والتي لا تكشف فقط الكواركات التي تمثل أساس النواة وإنما تتكشف ايضا عن أشكال مذهلة من المادة ذات أسماء غريبية كالكواركات الغريبية والساحرة والقمية والقاعية إضافة الى أشكال اخرى كالميوون والتاوون. لم يحدد بعد دور هذه الجسيمات في الطبيعة بشكل واضح ولا يعرف سبب إستخدام الطبيعة لها ، وتعد الإجابة عن مثل هذه التساؤلات من التحديات التي يواجهها العلماء في الوقت الراهن .
رغم قلة هذه الجسيمات في وقتنا الحالي مقارنة مع الجسيمات الأخرى إلا أنها كانت على ما يبدوا وفيرة في اللحظات الأولى بعد الإنفجار العظيم الذي أذن ببداية كوننا المادي ولم تاتي هذه الفكرة من الفراغ وإنما اتت من نتائج لعمل إستمر لخمسين عام حيث عملت فيزياء الجسيمات العالية الطاقة على الكشف عن البنية الداخلية المعقدة للمادة وفهم الأشكال الغريبة للمادة التي ظهرت على نحو غير متوقع . وفي الربع الأخير من القرن العشرين تمكن علماء هذا الفيزياء من وضع نظرية مفادها أن إصطدام الجسيمات دون الذرية تحت طاقة عالية جدا، يمكن أن ينشأ ظروف مشابهة للظروف التي كانت سائدة لحظة الإنفجار العظيم وبالتالي سنتمكن من التعرف على الكيفية التي نشأت بها المادة وكذا مختلف الجسيمات التي كانت سائدة انذاك . وبناء على ذلك تكونت المادة التي ولدت أثناء الإنفجار العظيم من كوراكات وجسيمات أشبه بإلكترونات أما فيما يخص الكواركات الغريية والساحرة والقمية والقاعية فتتميز ببعدم إستقرارها حيث إختفت وتحولت بعد الأجزاء من الثانية بعد الإنفجار الكبير الى أشكال اخرى أكثر إستقرارا بفعل القوة الضعيفة ، وهي الكواركات العلوية والسفلية التي واصلت البقاء الى يومنا هذا . وقد حدث امر مماثل مع الإلكترون ونسختيه الأثقل : الميوون والتاوون ، فهذان العنصران يتسمان بعدم إستقرارهما ومن ثم إختفيا بفضل القوة الضعيفة وبقى الألكترون وحدة . وأثناء هذه التحولات تظهر النيوترينوات – جيسمات خفيفة متعادلة الشحنة – بكميات هائلة والإشعاع الكهرمغنطيسي ، وهي ما زالت موجودة في أرجاء الكون بعد مرور 14 مليار عام على نشأته .
وهكذا بقيت الألكترونات والكواركات العلوية والسفلية موجودة في الوقت الذي كان فيه الكون حارا جدا ومع برودة الكون تجمعت الكوراركات وألتصقت مع بعضها البعض مكونة بذلك الروتونات والنوترونات . وتحت قوى الجاذبية تجمعت هذه الجسيمات على شكل سحب مشكلة بذلك نجوم بدائية . تصطدم هذه الجسيمات داخل تلك النجوم التي صارت غير مستقرة وإنفجرت محررة هذه الأنوية الذرية نحو الفضاء لتكون محاصرة دورها بألكترونات مكونة بذلك الماة التي نعرفها نحن اليوم . هذا ما نعتقد أنه حدث منذ نحو خمسة مليارات عام . حين كانت المجموعة الشمية في طور التكوين . فتلك الّذرات الأتية من أماكن بعيدة جدا منذ زمن طويل هي ما يشكل أجسامنا اليوم عزيزي القاريء .
ما يحاول العلماء فعله هو عكس تلك العملية وذلك من خلال تسخين المادة الى بضعة ألاف درجة لتتأين ذراتها لتفصل الألكترونات عن الأنوية المركزية . وعند توفير طاقة اكبر وحرارة هائلة ولازمة ستتفكك الأنوية الى مكوناتها الأساسية من بروتونات ونوترونات وفي ظل درجة حرارة أكبر واعلى من تلك ستذوب هذه الجسيمات بدورها لتتحول الى بلازما من الكواركات الحرة . وهذا ما يحدث داخل الشمس حيث الشمس عبارة عن بلازما أي سحب من الألكترونات والبروتونات ا تدور بشكل مستقل . ولتحقيق هذا أنشأ العلماء مجموعة من المعجلات لتوفير تلك الشروط لكن السؤال الذي يطرح نفسه هل فعلا تمكن العلماء من توفير تلك الشروط ؟ وما الذي إكتشفوه الى حد الأن ؟ هذا ما سنتعرف عليه في الفقرات الموالية تابعونا
والسلام
إعــداد : رشيــد جنــكـــل