في هذا الجزء سنحاول أن نبرز مدى صغر الجسيمات وكبر الكون وذلك من خلال مقارنتهما مع الأشياء العادية التي نتعامل معها في حياتنا اليومية كما سنتطرق الى تطورهما مع الزمن .
يتكون الكون من مادة تاخد أشكالا مختلفة ، او بعبارة بسيطة يتكون من اجسام مختلفة ، تختلف من حيث الخواص الفيزيائية والكيميائية ، فالشمس والنجوم مثلا أشد حرا من الأرض …وكوكب لأرض صالح للحياة مقارنة مع الكواكب الأخرى وهكذا ..، إلا ان لهذه المادة في نهاية المطاف نفس التكوين . كما ان الكون نفسه لم يكن على الشكل الذي نراه اليوم وإنما خضع لنحولات هائلة وكبيرة جدا منذ نشاته قبل 15 مليار عام بعد الإنفجار الكبير .
كل هذه المواضيع والتساؤلات سنتطرق اليها في الفقرات اللاحقة دعونا أولا نذهب سويا لنبرز مدى صغر ما هو صغير ومدى كبر ما كبير . فالنجوم مثلا كبيرة جدا ومرئية للعين المجردة رغم بعد مسافتها عكس الجسيمات التي تتألف منها هذه النجوم فهي صغيرة جدا وغير مرئية للعين المجردة . وللتوضيح اكثر ، لناخد على سبيل المثال قامة الأنسان فالأمر يستلزم وضع مليار/1000,000,000 / نعم مليار ذرة بعضها فوق بعض حتى تبلغ طول الأنسان ، كما يستلزم عدد مماثل من البشر فوق بعضهم البعض حتي يساوي طولهم الإجمالي قطر الشمس وبلغة الذرة سنحتاج الى ما يناهز مليار مليار ذرة/1000,000,000,000,000,000 / أي عدد هائل من الذرات .وبالتالي يمكن ان ناخد طول قامة الإنسان كمعيار لمعرفة صغر او كبر هذه الأجسام حيث يمكن وضع طول قامة الأنسان في المنتصف بين الذرة والشمس :قطر الشمس يستلزم مليار إنسان و طول قامة الإنسان يستلزم مليار ذرة . أما الجيسمات التي تتألف منها الذرات كالألكترونات والكواركات التي تشكل النواة المركزية فهي أصغر مليار مرة من إجمالي حجم الذرة نفسه .
عندما نتعامل مع هذه الأرقام سيكون الأمر صعبا وبالتالي سنعتمد على القيم الأسية أو ما يسمى برتية قدر . يقل طول الإنسان البالغ عن المترين بقليل . ولكي نحدد مقياسنا ومعيارنا سنفترض أن طول الإنسان يبلغ نحو متر واحد من حيث القيمة الأسية أي 1.100 وهو ما يعني أن طوله أكبر بكثير من 1 – 10 أمتارا وأقل من 101 أمتار إذن بالإنتقال الى المقاييس الفلكية نجد ان قطر كوكب الأرض يبلغ نحو 107 أمتار أي 1 متبوعا بسبعة أصفار أي /10,000,000/ وان قطر الشمس يبلغ 109 امتارا وان مدارنا حول الشمس يبلغ 1011 / أو بالوحدات السهلة 100 مليون كيلومتر /.
ولكي نسهل عليك المهمة ، عزيز القاريء ، ضع في إعتبارك من الأن أن أحجام الأرض والشمس ومدارنا حول الشمس تتضاعف بمعامل قدره 100
كما أن المسافات الأخرى الكبيرة جدا يصعب التعامل معها بهذا الأسلوب /أي المتر كوحدة / حيث يبلغ عدد أصفارها عدد لامتناهي من الأصفار . ولتبسيط هذه المهمة إقترح العلماء التعامل مع وحدة اخرى كوحدة للقياس وهي السنة الضوئية.
ينتقل الضوء بسرعة تناهز 300 ألف متر في الثانية أي لإنتقال مسافة قدرها 40 سنتمترا أو ما يعادل طول قدمك يستغرق نانو ثانية أي 9 – 10 ثوان وهي سرعة كبيرة جدا بل هي أ كبر سرعة موجودة في كوننا الى حد الأن . كل هذه الأزمنة القصيرة والدقيقة سنحتاجها عندما ندخل بالخصوص عالم الذرة أما الأن فسنحاول أن نتجه في الإتجاه المعاكس أي صوب المسافات الكونية الشاسعة والأزمنة الطويلة التي يستغرقها الضوء للإنتقال من المجرات البعيدة الى أعيننا على كوكبنا هذا .
يستغرق الضوء ثماني دقائق ليقطع المائة والخمسين مليون كيلومتر / تقريبا 1011 أمتار/ التي تفصلنا عن الشمس. لهذا نقول ان الشمس تبعد عنا ثماني دقائق ضوئية ، وبلغة الأرقام يستغرق الضوء عاما واحدا لقطع مسافة قدرها 1016 أمتار لذا تسمى هذه المسافة بالسنة الضوئية .
تمتد مجرتنا ، مجرة درب التبانة ،على مسافة تناهز 1021 أمتار أي نحو 100 ألف سنة ضوئية ، وتتجمع هذه المجرات في عناقيد مجرية تمتد نحو 10 ملايين سنة ضوئية وهذه العناقيد بدورها تتجمع في عناقيد فائقة تمتد على مساحة قدرها نحو 100 مليون سنة ضوئية أي 1024 أما الكون المنظور فيمتد عبر مساحة قدرها 10 مليارات سنة ضوئية أو 1026 أمتار .
من خلال هذه اللغة – لغة الأرقام – يمكن ان نستنتج ان كوننا هذا ليس متجانسا بل يتجمع في بنى منفصلة : مجرات منفردة كمجرتنا ، عناقيد مجرية ، عناقيد مجرية فائقة ، كل منها يبلغ نحو 100 من حجم سابقه أي انها تتضاف بمعامل قدره 100. اما عندما نغوص في عالم الجسيمات والمسافات الدقيقة الذي هو موضوعنا في الجزء الموالي سنقابل مجددا مثل هذه الطبقات من البنى لكن بفارق أكبر : 1000 عوض 100 . تابعونا
إعــداد : ذ. رشيـــد جنــكـــل