الكليوغرام يعرف نفسه من جديد من مادي الى لا مادي و الاسطوانة المعيارية الى التقاعد
هذه هي اللحظة الأهم منذ قرن كامل بالنسبة لمجموعة من المتخصصين في علم القياس، الذي كثيراً ما يتعرض للإهمال. فمنذ عام 1889، جرى تعريف أحد ركائز علم القياس وهو الكيلوغرام، بواسطة كتلة معدنية حُفِظت داخل خزانة ثلاثية الأقفال في مختبر بضواحي باريس، إنه الكيلوغرام الحقيقي الوحيد في العالم،
الكتلة التي تزن تماما ألف غرام كانت لعقود عديدة من الزمن المرجع الوحيد لكل بلدان العالم التي تستعمل النظام المتري للقياس، ومرة كل حوالي أربعين سنة يأتي علماء من كل بلد بكيلوغراماتهم إلى سيفر من أجل مقارنتها بالكيلوغرام المسمى « النموذج البدئي ك » Prototype K للتأكد من أن غرامات لم تزد على وزناتهم ولم ينقص منها شيء.
لكن كتلة الوزن هذه المصنوعة من خليط من معدني البلاتين والإيريديوم والتي تم اعتمادها منذ 129 عاما لا تخلو من العيوب فهي تتعرض بشكل دائم لتراكم ذرات غبار مما يزيد من وزنها، وتنظيفها يسبب تآكل ذرات من البلاتين أيضا وهو ما يؤدي لنتيجة معاكسة. وبالرغم من هذا فهي صمدت من بين جميع وحدات القياس السبعة في العالم المتري كآخر وحدة قياس حقيقية مازالت مستخدمة لمعايرة كيلوغرامات العالم.
مصير لابد منه
مع تقدم العلوم وتقنية أجهزة القياس خضعت وحدات القياس الست الأخرى (المتر للمسافة والثانية للوقت والمول للكمية والأمبير لشدة الكهرباء والكالفن لدرجة الحرارة والشمعة لقوة لإضاءة) لتغيير جذري حيث تم استبدالها من نماذج مقارنة حقيقية إلى نماذج مقارنة رياضية، فعلى سبيل المثال المتر الذي كان يُقاس بطول مسطرة معدنية موجودة في المكتب الدولي للأوزان والقياسات بدرجة حرارة صفر مئوية أصبح عام 1960 يعتمد قياسا أكثر ثباتا يعتمد على طول عدد من الموجات الضوئية الصادرة عن ذرة عنصر الكريبتون 86 المشع، وفي عام 1983 أصبح يعتمد على سرعة الضوء في الفراغ.
ابتداء من اليوم الموافق ل 16 نونبر 2018 ستنضم وحدة الكيلوغرام بشكل رسمي إلى مثيلاتها، وسيتم التصويت على ذلك من قبل شخصيات علمية من 57 دولة في المؤتمر العام للأوزان والقياسات في فيرساي، حيث سيتم استبدال كتلة الوزن المعدنية بثابت فيزيائي لايتغير معرف عن طريق » ثابث بلانك » .
يقول ستيفان شلامنغر عالم الفيزياء في المعهد القومي الأمريكي للمعايير والتكنولوجيا لصحيفة الغارديان البريطانية « لقد كنت أفكر وأعمل على هذا طيلة حياتي كعالم. أحيانا لا أصدق ما يحدث. هل هو حقيقة أم حلم؟ »
وخضع الكيلوغرام عبر التاريخ المعاصر لمجموعة من الأبحاث التي حاولت استبداله بوحدة مشتقة من ثابت قياسي كما في « مشروع أفوغادرو » الذي حدده بوزن كرة مصنوعة من عنصر السيليكون النقي قطرها 93.6 ميليميتر تماما، معتمدا على الوزن الذري للسيليكون وعدد أفوغادرو الكيميائي الذي لا يتغير. لكن هذه الطريقة كانت مثار شك أيضا.
وفي عام 2003 توصل مركز أبحاث ألماني لتحديد الكيلوغرام عن طريق تراكم الأيونات (الذرات أو الجزيئات المشحونة) باستخدام أقطاب كهربائية وتيار كهربائي ثابت.
أما الآن فيقوم العلماء بتحديد الكيلوغرام (الإلكتروني) الجديد عن طريق كتلة مشتقة من رقم متجذر في عالم الفيزياء الكمومية هو ثابت بلانك، مستخدمين ميزان معقد أسمه « ميزان كيبل » لمعايرة الكيلوغرام الواحد بمقارنته مع قوة كهرومغناطيسية محددة بدلا من استخدام كتلة فيزيائية.
يقول شلامنغر « إن الرضا الأكبر بالنسبة لي سيكون استكمال المسار التاريخي الذي بدأ مع الثورة الفرنسية » ويضيف « كانت الفكرة أن يكون لدينا نظام قياس واحد لجميع الأوقات ولجميع الناس. لطالما عانينا من مشاكل تتعلق باستقرار وحدة قياس الكيلوغرام، فهي موجودة في مكان مقفل وليست متوفرة لجميع الناس وفي جميع الأوقات. أما ثابت بلانك فهو لا يتغير، فهو دائما نفسه ومتوفر للجميع وقيمته مشتقة من نسيج الكون الذي نعيش فيه. »
نظام الوحدات الجديد رقم أساسي ثابت محفوظ في نسيج الكون
إذا كان التصويت إيجابياً، فسيبدأ سريان نظام الوحدات الجديد يوم 20 مايو/أيار 2019، بما في ذلك تعديلات المول والكلفن والأمبير. لن يشعر أحد خارج عالم القياس تقريباً بهذه الثورة. فلن يزن أحد ما اشتراه من جزر على نحو مختلف في المتجر. ولكن وراء الكواليس، سيبدأ تطبيق نظام أكثر ابتكاراً في العمل.
وختم شلامنغر قوله: «إذا زار الغرباء الأرض في يوم ما، فما هي الأمور التي سنتحدث عنها غير الفيزياء. إذا أردنا التحدث عن الفيزياء يجب علينا الاتفاق على مجموعة من الوحدات، ولكن إذا قلنا إن وحدة قياس الكتلة لدينا تعتمد على قطعة معدنية محفوظة في باريس، فسنكون مثاراً للسخرية أمام الكون».
ويعد الكيلوغرام وحدة القياس الدولية المعيارية الوحيدة التي يتم تعريفها بصورة مادية، بخلاف المتر والثانية والأمبير وباقي وحدات القياس التي يتم تحديدها على أساس ثوابت حسابية تشكل حقائق فيزيائية وليس أجسام مادية.
رشيد جنكل
المصدر : الوكالات