هل سأل احدكم يوما لماذا تنجذب بعض الحشرات والفراشات نحو الضوء الصناعي أو ضوء الشموع مثلا أو بصفة عامة نحو ضوء طبيعي … …كثير من الناس يلاحظون هذه الظاهرة في حياتهم اليومية وخاصة في فصل الصيف لكن قليل منهم من يتساءل عن سر هذا الإنجذاب ….نعم قد يبدو لك هذا السؤال في غاية البساطة ..لكنه من اعظم الأسئلة التي حيرت العلماء والإختصاصين أنفسهم في هذا الميدان : علم الحشرات وعلم البئية الى يومنا هذا ….
إذن دعونا نتحدث قليلا عن هذه الظاهرة بشكل مفصل .. يقول الباحثون في هذا المجال، أن الضوء يجذب عدد محدد من الحشرات وليس كلها،فمن بين مئات آلاف أنواع الفراشات والحشرات ، توجد أنواع كثيرة لا يجذبها الضوء . لكن أعيننا تركز كثيرا على تلك التي تنجذب للضوء قد نستمتع بهذا السلوك الغريب وقد نتالم نتالم عندما ينتهي بها المطاف الى الموت ونتساءل حينئد عن سبب إلتجاء هذه الأنواع الى الإنتحار بهذه الطريقة والغرابة وقد نستمتع بحركات الأنواع الأخرى حيث نجد بعض الأنواع تتجه مباشرة نحو مصدر الضوء ثم تدور حوله، بينما أنواع أخرى تدور في حركة حلزونية نحو الضوء.
أطلق العلماء على هذه الظاهرة الغريبة بالإنجذاب الضوئي phototaxis وهي حركة كل كائن التلقائية نحو أو عكس الضوء . لا حظ قلنا عكس الضوء اي ان هناك حشرات اخرى تفعل العكس أي تتهرب من الضوء وهذا قد لايخفى عنكم فاالعديد منكم لاحظ هذا السلوك العجيب عن بعض الحشرات اهمها الصرصور حين تشعلون الضوء في حجرة على هذا الكائن . وبالثالي أطلق العلماء عليه تسمية الكائن السلبي في إنجذابه للضوء . على الجانب الآخر كما ذكرنا ، هناك بعض الحشرات التي تنجذب نحو مصادر الضوء الصناعية مثل المصابيح الكهربائية، خصوصًا العُثث (والتي تُشبه الفراشات).
لماذا تنجذب إلى الضوء؟ وهل تتجه بالمثل إلى مصادر الضوء الطبيعية مثل القمر؟ وهل هناك تفسير واضح لهذا السلوك الغريب ؟
في الواقع، هناك الكثير من الفرضيات المطروحة في هذا الشأن، ولا يوجد ما هو مؤكَّد حتى الآن. نستعرض هنا أهم هذه الفرضيات.
تقدم الدراسات العلمية عدد من التفسيرات لأسباب هذا السلوك من قبل الحشرات، فعدد من العلماء يقترحون أن الذكور تتجه نحو ضوء الشموع مثلا لاعتقادها خطأ ان حرارتها ورائحتها صادرة عن إناث واهم هذه الدراسات ، الدراسة التي اجراها فيليب كالاهان في السبعينيات من القرن الماضي ، عالِم الحشرات الذي عمل لاحقًا قسم الزراعة الأمريكي. وجَدَ كالاهان أنّ الأشعة تحت الحمراء المُنبعثة من الشموع يُصادف أنها تحتوي على بعض ترددات الضوء الموجودة في هرمونات الجنس لدى إناث العثثحيث كتب كالاهان في ورقته البحثية أنّ ذكر العثة ينجذب بشدة إلى ضوء الشمعة ظنًا منهم أنها الإناث ترسل إشارات الجنس، فيموتون محاولون التزاوج مع الشمعة.
و تشير بعض الدراسات الأخرى التي تلت هذه الفرضية إلى أن أنواعاً معينة من الفراشات تطورت لتستخدم الضوء الطبيعي في الليل لمعرفة طريقها ، كما أن موقع القمر في السماء والطور الذي يكون فيه، ومدى وضوحه على الأرض عوامل لها تأثير على الفراش .وإحدى أقدم النظريات العلمية التي بحثت في هذا المجال تقول : إن الفراشات في أثناء قيامها بالطي تحاول أن تحافظ على زاوية حادة مع ضوء القمر في الليل في سلوك اطلقوا عليه الإختصاصيين ب »التوجيه العرضي » حيث تطير بعض الحشرات في زاوية حادة ثابتة باتجاه مصدر ضوء مثل القمر . ومن هنا يعتقد العلماء أن هذه الحشرات تحاول ان تطبق هذا القانون بنحو مماثل بوجد الأضواء الصناعية لكنها تتجه نحوها، لأن هذه الأخيرة (مصادر الضوء الصناعي) تفقدهم حِسّ توازن الطيران الداخليّ،و تعيش في خداع بصري وترى بشكل وهمي مناطق مظلمة بالقرب من الضوء فتندفع نحوها ويكون مصيرها الهلاك . فالعُثث في النهاية لم تتطور في وجود الأضواء المتألقة، فقد تطورت في وقتٍ كان فيه مصادر الضوء الوحيدة على الأرض هي الشمس، القمر، والنجوم.
إعداد : ذ. رشيد جنكل